مستخلصات من مباراة مصر والجزائر 14 نوفمبر
أول ما لفت انتباهي بخصوص هذه المباراة هو الوهج الإعلامي الذي رافقها، كأن الدنيا قامت ترقص.. اجتاح القلق كل الأطراف ورافقه فيروس قبيح هو فيروس العصبية الذي يجعلنا أمما بدل الأمة الواحدة..
كانت ثقة المصريين بالفوز في المباراة التي نتيجتها على كفة عفريت، ثقة عمياء لم تقف كثيرا للحملقة في وضعيتهم الحرجة.. كان المطلوب تحقيق هدفين على الأقل أو الفوز بفارق ثلاثة اهداف.. فتساءلت ما سر هذا الإندفاع فتمثل لي الجواب واضحا: إنه الإيمان بالقدرة على تحقيق المكسب وبذل أقصى طاقة ممكنة في سبيل ذلك..
نعم لن تستطيع النجاح في شيء ما لم تعطه كل وقتك وجهدك.. والأهم من ذلك أن تثق في إمكانية ذلك.. ذلك هو السر الذي تفوقت به الأمم علينا سواء في الرياضة أو في الصناعة أو في السينما.. خصوصا في عالم جبار لا يؤمن إلا بالإمكانيات الجبارة..
لقد حشد المصريون كل قواهم وآمنوا بإمكانية قهر المستحيل فنجحوا.. طوال أكثر من أسبوعين إقترنت كلمة "يا رب" في مصر الكروية بالمنتخب المصري.. حشد الإعلام جيوشه الجرارة من أجل إضفاء الأهمية المناسبة على المباراة ونجح في إقناع الشعب واللاعبين بأن الفوز ممكن..
وهذا ما يتطلبه النجاح.. أن تعطي العمل ما يستحق من طاقة وانتباه وثقة مهما كانت الظروف.. ألم تتساءل لم لم نحقق كأس العالم يوما.. لم لم نصنع دراجة يوما أو حتى ننتجح فيلما بملايين الدولارات.. الجواب: لأننا نبخل على أنفسنا ولا نعط الأمور حق قدرها.. عندما تصرف على إنتاج فيلم تاريخي 3 آلاف جنيه بحجة أنه مجرد فيلم ولا يستحق أكثر من ذلك تكون قد أهدرت وقتك وجهدك واخرجت إلى العالم مسخا يعجز عن منافسة الإبداع..
عندما تبخل الإتحادية والدولة على فريقها فلن نرى النتائج إيجابية المرجوة.. العالم اليوم عالم: إدفع وأجني.. عالم الإعلام وجنونه: أعط الشيء حقه من الإشهار ونم قرير العين..
عندما تؤمن بإمكانية تحقيق الهداف ونسعى في ذلك بكل طاقتك ستفوز حتما ولو في الوقت الضائع.. كالمصريين..
حارس المرمى عصام الحضري آمن بإمكانية الفوز فكان من نتائج ذلك أن أصبح هو من يحث جمهوره على التشجيع.. لم يدخل المباراة مهتز الركب غير واثق في نفسه -مثل المرابطون- بل دخلها من أجل الفوز وفاز..
ولكن هل كان سيفوز إذا ما كان الخصم البرازيل لا الجزائر.. ربما لو تعامل معها كما تعامل مع أخوه لحقق شيئا يذكر..
إنها الثقة في النفس وبذل المجهود وإعطاء الكرة أهميتها كسفير يتدحرج بين بيوت العالم منبئا عن وطنه.. وما دمنا نبخل عليها وعلى العاملين في قطاع التعليم والصحة والجندية فلن نرى إلا الإنقلابات والإنتكاسات.. على مستوى الأسر وعلى مستوى الحكومات وعلى مستوى الكرة..
حتى إيهاب توفيق رأيناه في استاد القاهرة الدولي مقطبا جبينه يكاد يبكي حرصا على فوز بلاده وهو الذي لا يعرف إلا الغناء.. 80 ألف متفرج وثقوا بإمكانية فوز بلادهم فتحقق لهم ذلك..
ولكن يبقى السؤال الأهم: ماذا بعد وصول أحد الفريقين إلى المونديال، هل سيخرج منه من الدور الأول..
والآن موجز للأخبار ثم نواصل.. المنتخب المصري يواجه نظيره الجزائري في الخرطوم في مواجهة حاسمة بعيدا عن ثرثرة البلدين..
المعلقون المصريون يصفون لاعبي شمال إفريقا بالبارعين في تضييع الوقت، وينسون أن الحرب خدعة وأن حكم المباراة الة حاسبة لا تفوت ثانية واحدة..
أصبح السجود لله شكرا بعد تسجيل الأهداف سمة من سمات اللاعبين المصرين وكبيرهم الذي يعلمهم السحر "حسن شحاتة" ولا ينقص إلا أن يصلوا جماعة بعد كل هدف..
والآن إلى الجزائر الحبيبة التي أفتقدناها كثيرا بعد بلومي ورابح مادجر.. وتساءلنا كثيرا أين أختبأت بعيدا عن المنافسات القارية والدولية.. ها هي اليوم ترفع رؤوسنا عاليا نحن محبوها وتتصدر مجموعتها بإستحقاق وتقاتل 80 ألف فرعون يقودهم أبو الهول شحاتة في استاد القاهرة الدولي أمام الآلاف..
الجزائر تبرهن مرة أخرى على أنها ولادة فرجال منتخبها اليوم لا يقلون شأنا عن رجال الأمس.. من يستطيع تجاهل الرقص الشرقي الذي أرغموا عليه لاعبو مصر في الملعب.. من يستطيع إنكار رباطة الجأش التي واجهوهم بها اليوم.. لولا الحظ..
نعم من حقنا نحن سكان المغرب العربي أن نشجع أحد بلداننا ولكن ليس من حقنا أن نكره الخير لإخوتنا المصريون فنحن إخوة في العروبة وفي الإسلام وفي الكرة.. وفي كل شيء..
وتحيا مصر والجزائر شقيقتين مهما كانت مباراة الخرطوم.. وإلى الأمام.. إلى الكأس الذهبية لا غير.. كيف نخشى بعض الراقصين كالبرازيليين أو اكلة الإسباكيتي كالإيطاليين أوالديكة كالفرنسيون.. نحن لا نخشى إلا الله..